فن وثقافة

في ذكرى ميلاد توفيق الحكيم.. لمحات من الحياة الشخصية والأدبية لرائد المسرح الذهني

اليوم ذكرى ميلاد الأديب الكبير توفيق الحكيم، ولد في 9 أكتوبر 1898 وتوفى في 26 يوليو 1987. كان أحد رواد الرواية العربية والإبداع المسرحي وأحد أبرز الأسماء في تاريخ الأدب العربي الحديث، ويرجع ذلك إلى الطريقة التي كانت تعتبر بها إنتاجاته الفنية ناجحة تارة وفشلا ذريعا تارة أخرى. ، وبلورة التأثير النوعي لأدب توفيق الحكيم وفكره على الأجيال اللاحقة من الكتاب. شكلت مسرحيته الشهيرة “أهل الكهف” عام 1933 حدثا مهما في الدراما العربية، حيث شكلت هذه المسرحية بداية ظهور حركة مسرحية عرفت بالمسرح العقلي.

تربيته

ولد توفيق إسماعيل الحكيم في مدينة الإسكندرية لأب مصري من أصل ريفي كان يعمل في القضاء بمدينة الدلنجات بمحافظة البحيرة. كان يعتبر من المزارعين الأثرياء وكانت أمًا تركية أرستقراطية، وهي ابنة لواحد، إلا أن هناك من يعطي تاريخ ميلاد مختلفًا، مثل الدكتور. إسماعيل أدهم و د. ذكرت إبراهيم ناجي في دراستها لتوفيق الحكيم عام 1903م في ضاحية الرمل بالإسكندرية.

وكانت والدته امرأة فخورة لأنها من أصل تركي، وكانت تضع الحواجز بين توفيق الحكيم وعائلته الزراعية. لقد عزلته عنهم وعن رفاقه من الأطفال ومنعتهم من الوصول إليه، فيلجأ إلى عالمه الروحي الداخلي. التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية عندما بلغ السابعة من عمره حتى أكمل تعليمه الابتدائي عام 1915. ثم قام والده بتسجيله في إحدى المدارس الحكومية بمحافظة البحيرة حيث أكمل المرحلة الثانوية ويواصل تعليمه الثانوي في مدرسة محمد علي الثانوية حيث لا توجد مدرسة ثانوية في منطقته.

خلال هذه الفترة وقع في حب أحد جيرانه، لكن النهاية لم تكن جيدة بالنسبة له، والبعد عن عائلته منحه نوعاً من الحرية، فبدأ في الاهتمام بالمناطق التي سبق أن حرم منها إلى جانب عائلته. كانت أمها مهتمة بالموسيقى والتمثيل ووجدت في فرقة جورج أبيض ما يرضي ميوله الفنية.

في عام 1919 شارك مع أعمامه في مظاهرات سجن القلعة. إلا أن والده تمكن من نقله إلى المستشفى العسكري حتى خروجه، فعاد إلى المدرسة وحصل على درجة البكالوريوس عام 1921م.

ثم انتقل إلى كلية الحقوق بناء على طلب والده وتخرج عام 1925. ثم عمل لفترة قصيرة في مكتب محامٍ مشهور، وبسبب ارتباطات عائلته بأشخاص متنفذين، تمكن والده من الحصول على دعم أحد المسؤولين الذين أرسلوه في مهمة دراسية. انتقل إلى باريس لمواصلة دراسته بالجامعة هناك، ليحصل على الدكتوراه في الحقوق، ثم يعود للتدريس في إحدى جامعات مصر الناشئة. ذهب إلى باريس ليحصل على الدكتوراه (1925-1928م).

وفي باريس زار متاحف اللوفر ودور السينما والمسارح، واكتسب بذلك ثقافة أدبية وفنية واسعة من خلال التعرف على الأدب العالمي، وخاصة اليوناني والفرنسي.

ترك كلية الحقوق واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص. كان كثيرًا ما يتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، ولهذا السبب استدعاه والداه إلى هناك في عام 1927، بعد ثلاث سنوات فقط من إقامته – حيث سلماه الشهادة التي أُرسل للحصول عليها.

وفي عام 1928 عاد إلى مصر ليعمل موظفاً في المحاكم المختلطة بالإسكندرية عام 1930 ثم في المحاكم المدنية. انتقل بعد ذلك إلى وزارة التربية والتعليم ليعمل مفتشاً محققاً، وفي عام 1937 نُقل مديراً لدائرة الموسيقى والمسرح بالوزارة ثم عمل مديراً لدائرة الإرشاد الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية.

استقال عام 1944 وعاد عام 1954 مديراً للمكتبة المصرية. وفي نفس العام تم تعيينه عضواً عاملاً بمجمع اللغة العربية، وعين بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وكيل وزارة، وعين مندوباً لمصر لدى اليونسكو بباريس عام 1959.

ثم عاد إلى القاهرة أوائل عام 1960 ليتولى منصبه في المجلس الأعلى للفنون والآداب. ثم عمل مستشاراً بجريدة الأهرام، ثم أصبح عضواً بمجلس إدارتها عام 1971.

أسلوب الكتابة عند الحاكم

لقد مزج توفيق الحكيم بين الرمزية والواقعية بطريقة فريدة تتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض. وقد ساهم هذا الاتجاه في تشكيل قطع الحكيم بالمزاج الخاص والأسلوب المميز الذي عرف به.

يتميز الرمز في أدب توفيق الحكيم بالوضوح وعدم الإفراط في الانغلاق أو الغموض. في أسطورة إيزيس، المستوحاة من كتاب الموتى، تمثل بقايا أوزوريس الحية مصر منقسمة تنتظر من يوحدها ويجمع شعبها معًا لهدف واحد.

تعتبر “عودة الروح” الشرارة التي أشعلتها الثورة المصرية، ويهدف في هذه القصة إلى دمج قصة حياته في مرحلة الطفولة والمراهقة مع تاريخ مصر، حيث يجمع بين الواقعية والرمزية بطريقة جديدة. تتجلى قدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع واختراع الشخصيات والاستفادة من الأسطورة والتاريخ بطريقة تتميز بالبراعة والإتقان، كاشفة عن مهارة تمارس وحسن اختيار الشكل الفني الذي يضع فيه إبداعه سواء كان ذلك في قصة أو مسرحية، بالإضافة إلى تنوع مستويات حوارها، بما يناسب كل شخصية من شخصياتها ويتوافق مع مستواها الفكري والاجتماعي؛ وهذا دليل على مهارته ووعيه. ويتميز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة، والحدة الشديدة، وتعبئة المعاني والدلالات، والقدرة الفائقة على العرض. فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يحققه الآخرون في صفحات طويلة، سواء في رواياته أو مسرحياته.

ويولي الحكيم اهتماما كبيرا بدقة تصوير المشهد، وحيوية تجسيد الحركات، ووصف الجوانب العاطفية والعواطف النفسية بعمق وإلهام كبيرين.

وقد مرت كتابات الحاكم بثلاث مراحل حتى وصل إلى مرحلة النضج: المرحلة الأولى وهي الفترة الأولى من تجربته الكتابية التي كانت تعبيراته فيها لا تزال نادرة، وتتميز بنوع من الاضطراب، إلى حد أنها تبدو أحيانا فضفاضة وفضفاضة للغاية، ولذلك لجأ إلى اقتباس العديد من التعبيرات الشائعة، للتعبير عن معنى هذا. جعل أسلوبه يتسم بالقصور وعدم النضج، وفي هذا الوقت كتب مسرحيات “أهل الكهف” و”قصة طائر من المشرق” و”عودة الروح”.

المرحلة الثانية حاول في هذه المرحلة العمل على توافق الألفاظ مع المعاني وإيجاد التطابق بين المعاني في عالمها العقلي المجرد والكلمات التي تعبر عنها في اللغة، وتقدم أكثر فأكثر نحو إتقان الأدوات اللغوية وفهم المعنى. حجر الزاوية في التعبير الجيد، وتتمثل هذه المرحلة في مقطوعات شهرزاد، والخروج من الجنة، ورصاصة في القلب، والمزمار.

المرحلة الثالثة وهي مرحلة التطور في كتابة الحكيم الفنية، مما يعكس قدرته على صياغة الأفكار والمعاني بشكل جيد. وظهرت خلال هذه المرحلة العديد من مسرحياته مثل «سر الانتحار» و«نهر الجنون» و«براكسا» و«براكسا». سلطان الظلام .

رائد المسرح العقلي

وعلى الرغم من إنتاج الحكيم المسرحي الذي يضعه في طليعة المسرحيين العرب وروادهم، إلا أنه لم يكتب سوى عدد قليل من المسرحيات التي يمكن أن تؤدي على خشبة المسرح ليراها الجمهور تسمى “المسرح العقلي”، وهي مكتوبة للقراءة، ومن خلالها يكتشف القارئ عالمًا مليئًا بالأدلة والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع بسهولة ويسر. المساهمة في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتميز بالعمق والوعي الكبير.

ويسعى إلى تأكيد هذه الحقيقة في كثير من كتاباته، ويوضح صعوبة تجسيد مسرحياته وأدائها على المسرح. يقول: (اليوم أبني مسرحي في رأسي، وأعطي الممثلين أفكاراً تتحرك بالمعنى المطلق، تحت ستار الرموز… ولهذا اتسعت الفجوة بيني وبين المسرح، ولم يعد لدي أي أمل في ذلك). Bridge الذي يجعل مثل هذه الأعمال متاحة لأشخاص آخرين غير الصحافة.)

أهمية توفيق الحكيم لا تكمن فقط في كونه مؤلف أول مسرحية عربية ناضجة وفق المعيار النقدي الحديث، وهي مسرحية (أهل الكهف)، وصاحب أول رواية بها والتي أصبح المعنى يفهمها الرواية الحديثة وهي رواية (عودة الروح) الصادرة عام 1932م. إلا أن أهميته تنبع أيضًا من كونه أول مؤلف مبدع استلهمت أعماله المسرحية والرواية من موضوعات مستمدة من التراث المصري. وقد استلهم هذا التراث عصوره المختلفة سواء الفرعونية أو الرومانية أو القبطية أو الإسلامية، كما استمد شخصياته وموضوعاته المسرحية والسردية من الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي المعاصر لأمته.

معارك الحاكم الأدبية

وعرف توفيق الحكيم طوال تاريخه الطويل بالعديد من المعارك الفكرية التي خاضها ضد من كانت ميولهم الفكرية على خلاف معه. حارب في الأربعينيات مع الشيخ المراغي، ثم شيخ الأزهر، ومع مصطفى النحاس زعيم الوفد، وفي السبعينيات خاض معركة مع اليسار المصري عقب صدور كتاب “العودة”. من الوعي”. آخر وأخطر معركة فكرية للحكيم حدثت حول الدين عندما نشر توفيق الحكيم في الأول من مارس عام 1983 سلسلة مقالات على مدى أربعة أسابيع في جريدة الأهرام بعنوان “محادثة مع الله وإلى الله”. .

الجوائز

حصل توفيق الحكيم على العديد من الجوائز والأوسمة المرموقة بما في ذلك:

قلادة الجمهورية، جائزة الدولة في الفنون، وسام الفنون من الطبقة الأولى، وقلادة النيل والعديد من الجوائز والأوسمة العالية الأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى