من المحاريق إلى المنيرة.. قرية “المنفى” تحكي تاريخًا من النضال والتطور – صور
قرية المنيرة والمعروفة سابقًا باسم “المحاريق” هي إحدى أهم القرى التاريخية بمركز الخارجة بمحافظة الوادي الجديد. للقرية تاريخ طويل يمتد لقرون عديدة شهد العديد من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ويقدم “ايجي برس” في هذا التقرير نبذة عن تاريخ القرية منذ تأسيسها وحتى تحولها إلى بوابة ثقافية لمحافظة الوادي الجديد، ويسلط الضوء على المراحل الأساسية في تاريخها.
الجذور الأولى
وكانت قرية المنيرة تعرف قديما باسم “المحاريق” أو “المحرق”، وهو اسم قديم اختلفت الآراء حول أصله، كما يقول محسن عبد المنعم، مدير هيئة سياحة الوادي الجديد، ويعتقد البعض أن الاسم تشير إلى احتراق الحقول والمنازل في المنطقة، بينما يرى آخرون أنها تشير إلى اسمرار بشرة العمال الزراعيين الذين تعرضوا لأشعة الشمس الحارقة أثناء عملهم لدى عائلة المحارق الشهيرة في جنوب مصر، وتمتد حفرة رمل أبو محاريق، وهي أكبر حفرة رملية في الصحراء الغربية، لمسافة 350 كيلومتراً شمال واحة الخارجة.
ويصف محسن القرية قائلاً: “كانت صغيرة، ومحاطة بالرمال من كل جانب، وكان عدد سكانها قليلاً جداً. وتشير المصادر التاريخية إلى أن أولى العائلات استوطنت القرية منذ حوالي 250 عاماً.” ومن أبرز هذه العائلات العائلة النبوية الشامية التي توارثها العمودية على مدى عدة أجيال. ومنها نشأت عائلة قنديل التي أخرجت شخصيات بارزة مثل سليمان محمد قنديل.
القرية في الاستعمار الإنجليزي
وأكد محمود عبد ربه، المتخصص في تراث وتاريخ الوادي الجديد، أن المحرق أصبحت في مطلع القرن العشرين محطة مهمة للبريطانيين الذين أرادوا إنشاء قاعدة عسكرية لدفع السنوسيين إلى منطقة الداخلة. لمواجهة الواحات . وفي عام 1906 تم إنشاء خط سكة حديد من وادي النيل إلى الخارجة وتم تحويل قرية “شركة 8” المتصلة بالمنيرة إلى قاعدة عسكرية ومطار عسكري للعمليات العسكرية، بالإضافة إلى إنشاء مرافق حديثة مثل حمامات السباحة و مستودعات الذخيرة.
ويقول عبد ربه إن المحاريق كانت قرية فقيرة تعاني من نقص الخدمات، إلا أن وجود الإنجليز ساعد في إدخال بعض التحديث عليها حيث تم توفير السكن والمرافق الأساسية. ومن أبرز ما شهدته القرية خلال هذه الفترة هو بناء محطة القطار مما ساعد على ربطها بالمناطق الأخرى وجعلها نقطة استراتيجية.
نفي الأرستقراطيين
ويقول النائب السابق داود سليمان، عضو مجلس الشعب الأسبق وابن قرية المنيرة، إن الملك فؤاد قرر في الثلاثينيات، وبسبب خلافات سياسية، نفي بعض أعضاء الطبقة الأرستقراطية إلى مقابر القرية، الأمر الذي أصبحت لهم منازل، وتم بناء مسجد وأسواق جعلت الحياة ممكنة في العصر الذهبي. خلال هذه الفترة، ازدهرت القرية بفضل شحنات الخضروات والفواكه الطازجة التي كانت تصل يوميًا من القاهرة وأسيوط.
ويدعي داود أنه على الرغم من عزلتهم، إلا أن هؤلاء النازحين ساعدوا في تحويل المحرق إلى مكان مزدهر، حيث ازدهرت القرية اقتصاديا وثقافيا خلال وجودهم وانعكس هذا النشاط على حياة السكان المحليين الذين استفادوا من وجود أحد الأشخاص. تحسين البنية التحتية والخدمات الجديدة.
أصبحت النيران خفيفة
يقول إبراهيم خليل، مدير ثقافة الوادي الجديد الأسبق والمتخصص في تاريخ الواحات، إن القرية استمرت تحت اسم المحاريق حتى عام 1966، عندما صدر قرار الرئيس جمال عبد الناصر رقم 4732 بتغيير اسمها، وتم اتخاذ هذا القرار. وذلك ضمن خطة جعل القرية بوابة لحضارة محافظة الوادي الجديد. ومنذ ذلك الحين شهدت القرية تطوراً ملحوظاً حيث تم إنشاء مجلس محلي يضم القرى والعقارات التابعة لها مثل شركة 55 وشركة 17 والقطارة.
وأوضح خليل أن هذا التغيير يأتي في إطار جهود الدولة لتعزيز التنمية في المناطق النائية. بدأت هذه الجهود بتوسيع شبكة الطرق وتحسين البنية التحتية، مما جعل المنيرة أول قرية حضارية تستقبل الزوار في الوادي الجديد.
دور المنيرة في النقل والتنمية
ويقول أحمد مسعود عكاشة من عائلة العوامر، أكبر عائلة في واحة الخارجة والمتخصص في تاريخ وتراث الواحات، إن المنيرة بفضل موقعها الجغرافي المميز أصبحت مركزا هاما للنقل والتنمية وفي بداية القرن العشرين كانت هناك محاولات لاستخراج النفط في المنطقة من قبل شركة إنجليزية، إلا أن المحاولات أدت إلى تفجر الماء بدلاً من النفط. وفي وقت لاحق، تم بيع خط السكة الحديد الذي بنته الشركة للحكومة المصرية وساعد في تعزيز الاتصالات بين الواحات ووادي النيل.
وأكد مسعود أن شبكة المواصلات من أهم عوامل تطوير القرية، حيث تساهم في ربطها بالمدن والمحافظات الأخرى وتجعل منها مركزاً اقتصادياً وسياحياً مهماً في المنطقة، خاصة المطارات.
المطارات في واحة الخارجة
ويؤكد محمود عبد ربه أن واحة الخارجة تضم ثلاثة مطارات رئيسية:
1. المطار الأول: كان مهبطاً للطائرات الشراعية يستخدمه البريطانيون منذ عام 1911. كان هذا المطار بمثابة قاعدة لوجستية لاستكشاف الواحات.
2. المطار الثاني: يقع جنوب سجن المحارق، وقد استخدم للطائرات المقاتلة خلال حرب 1967.
3. المطار الثالث: مطار الوادي الجديد اليوم، والذي بدأ تشغيله منذ عام 1960 وما زال يخدم الرحلات المحلية والدولية. وخلال نكسة 1967، استقبل المطار 11 طائرة عسكرية، مما يعكس دوره المهم في الدفاع عن المنطقة.
القرية اليوم: التحديات والنجاحات
ورغم الإهمال الذي عانت منه المنيرة لفترة طويلة، إلا أن القرية شهدت تطورات كبيرة بعد تغيير الاسم. بدأت عملية التطوير بتوسيع شبكة الطرق وتحسين البنية التحتية، مما جعل المنيرة أول قرية حضارية تستقبل الزوار في الوادي الجديد. وتعد القرية اليوم بوابة تطوير تجمع بين التراث والحداثة.
ويقول النائب السابق داود سليمان، إن إنجازات القرية شملت تحسين إمدادات الكهرباء والمياه، فضلاً عن تطوير المدارس والمرافق الصحية، مما ساعد على تحسين نوعية حياة السكان. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تتعلق بتنمية قطاع السياحة والبنية التحتية.
وفي الختام، تحمل المنيرة تراثًا غنيًا يمتد لقرون عديدة، حيث شهدت أحداثًا مهمة بدءًا من الاستعمار الإنجليزي وحتى التطور الحديث. من قرية صغيرة تحيط بها الرمال إلى بوابة حضارية للوادي الجديد، تظل المنيرة شاهدة على التاريخ المصري وقدرة الإنسان على التغيير والبناء. ومع الجهود المستمرة لتعزيز التنمية، يبدو أن المنيرة على أعتاب مستقبل واعد سيجعلها واحدة من أهم قرى مصر.